العسل لا يُعرف فقط بطعمه الحلو واستخداماته كبديلٍ للسكر، بل يتمتع أيضًا بخصائص طبية لافتة تُسلط الضوء عليه كمادة مُفيدة في العديد من العلاجات الطبية. “تُظهر الدراسات بوضوح مشاركة عدة آليات في خصائص العسل المضادة للبكتيريا، حيث تتعاون بشكل متآزر، بما في ذلك الأسمولية، ودرجة الحموضة الحمضية، ونظام بيروكسيد الهيدروجين (إينهيبين)، ووجود العوامل الكيميائية النباتية، مثل ديفينسين -1 وميثيل جليوكسال. بالإضافة إلى ذلك، تثبت الدراسات العلمية أن للعسل أنشطة محددة تعزز المراحل المختلفة اللازمة للشفاء، حيث يمتلك تأثيرًا إيجابيًا على التنضير ويعمل على تعديل الالتهاب، مما يعزز بناء الأنسجة الحبيبية.” وقد استخدم الإنسان العسل في العلاجات المنزلية والطب التقليدي منذ آلاف السنين.

تشمل الأسمولية على سبيل المثال، القدرة الطبيعية للعسل على سحب الرطوبة من البيئة المحيطة، وهو ما يجعل الظروف غير مواتية لنمو البكتيريا. وتتمظهر الحمضية التي تأتي من الأحماض العضوية في العسل في توفير بيئة لا تُفضلها البكتيريا للنمو أيضًا. أما بيروكسيد الهيدروجين الذي ينتج بطريقة طبيعية في العسل عند تخفيفه فيساعد على تعقيم الجروح وتقديم حماية ضد العدوى. في حين تسهم العوامل الكيميائية مثل ديفينسين -1، وهو بيبتيد مضاد للميكروبات، وميثيل جليوكسال، الذي يتمتع بخاصية القدرة على الحد من نمو الكائنات الدقيقة، في تعزيز هذه الخصائص.
خصائص العسل المضادة للبكتيريا
لقد لفت النشاط المضاد للبكتيريا للعسل انتباه العلماء والباحثين، نظرًا لفعاليته العالية في المختبر، خاصةً ضد السلالات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية. تم تسجيل نتائج واعدة نتيجة استخدام العسل في علاج الجروح، مما حفز جهود البحث لتحديد الخصائص الميكروبية المضادة للبكتيريا، والأساليب التي يستخدمها العسل في محاربة العدوى . بالرغم من أن هناك بعض الغموض الذي يكتنف تفاصيل الآليات التي يستخدمها العسل، فإن الدراسات الحالية قد حدّدت ستّة عوامل رئيسية تساهم بشكل مباشر في خصائصه المضادة للميكروبات.
هذه العوامل تشمل القوة الأسموزية العالية بسبب التركيز العالي للسكر، والحموضة ،( pH المنخفض) الذي يعيق نمو البكتيريا، وتأثير البيروكسيد الهيدروجيني المنتج بشكل طبيعي بفضل وجود إنزيم الجلوكوز أوكسيديز، بالإضافة إلى تأثيرات الفيتوكيماويات والمركبات الفينولية المضادة للأكسدة، ومجموعة من المثبطات الميكروبية الأخرى. كل هذه المكونات تتعاون بطرق مختلفة لحماية العسل من الاستعمار البكتيري، وعند استخدامه في العلاج الطبي، تساهم هذه العوامل معًا في تعزيز الشفاء ومنع العدوى.
مع التطور المستمر لأبحاث العسل، يُتوقع أن تكتشف آليات جديدة وربما يتم الكشف عن مكونات أخرى مضادة للميكروبات لم تُحدد بعد. تؤكد هذه الاكتشافات على الأهمية السريرية والطبية للعسل، كمصدر طبيعي لخصائص مضادة للجراثيم قد تقدم بدائل مفيدة، أو تكملية للمضادات الحيوية التقليدية.
خصائص الشفاء من العسل
أظهرت العديد من الدراسات التجريبية الخصائص العلاجية للعسل، وبدأ توضيح الآليات المعنية.
العسل له خصائص علاجية متعددة، تجعله مفيدًا بشكل خاص في علاج الجروح وتعزيز الشفاء. بالإضافة إلى ما ذكر سابقًا عن خلقه حاجزًا ماديًا والمحافظة على بيئة رطبة، يشتهر العسل أيضًا بخصائصه المضادة للميكروبات، التي تحمي الجرح من العدوى. العسل يحتوي على إنزيم ينتج بيروكسيد الهيدروجين عند تخفيفه، وهو مسؤول عن هذه الخصائص المضادة للبكتيريا.
من الناحية الكيميائية، يحتوي العسل على مواد مضادة للأكسدة مثل الفينولات، والإنزيمات وغيرها من المركبات، التي تساهم في خصائصه المضادة للالتهابات، ما يعني أنه يمكن أن يساعد في تقليل الاحمرار والتورم حول الجرح.
أظهرت الدراسات أيضًا أن العسل يمكن أن يسرّع عملية الشفاء من خلال تحفيز نمو الأنسجة الجديدة. هذا يجعله مفيدًا ليس فقط في علاج الجروح الطفيفة، بل والقرح المزمنة أيضًا، مثل قرحة الساق وقرح الفراش.
مع هذه الخصائص، يكون العسل خيارًا طبيعيًا وفعالًا للعديد من الأشخاص، الذين يبحثون عن بدائل العلاج بدون أدوية تركيبية. من المهم مع ذلك الحرص على استعمال عسل ذو جودة عالية، وخصوصًا تلك المعدّة للاستعمالات الطبية لضمان الحصول على أفضل النتائج ومنع أي مضاعفات قد تنجم عن الملوثات.
دراسة حالة
الخلفية:
نقص الأكسجين هو عامل رئيسي، يرتبط بتأخر التئام الجروح الإقفارية عند البشر. تم اقتراح مركبات إطلاق الأكسجين الموضعية، مثل بيروكسيد الهيدروجين أو رباعي كلوروديكاوكسيد كعلاج للأنسجة الإقفارية.
الهدف:
،من الدراسة العيادية كان يتمثل في فحص الدور الذي يمكن أن يلعبه كريم بيروكسيد الهيدروجين في عملية الشفاء من القرحة الإقفارية، وذلك من خلال تطبيق هذا الكريم على نماذج قرحة إقفارية (الجلدية) تم إنشاؤها في الحيوانات. بدأت الدراسة بتطوير نموذج موثوق للقرحة الإقفارية، يعكس الطبيعة المعقدة لهذا النوع من الإصابات في الأنسجة الحية. بعد ذلك، ثم القيام بتطبيق كريم بيروكسيد الهيدروجين بتركيزات مختلفة على القرح الإقفارية، لمراقبة مدى تأثيرها على سرعة الشفاء وجودة النسيج العلاجي الذي يتكون. أثناء الدراسة، تم أخذ عدة معايير في الاعتبار لقياس فعالية العلاج، بما في ذلك معدل انكماش القرحة، ومستوى الالتهاب في الأنسجة المحيطة، ومقدار الأوعية الدموية الجديدة التي تشكلت. كما قاموا بمقارنة نتائج استخدام كريم بيروكسيد الهيدروجين مع نتائج العلاجات الأخرى التقليدية، لفهم ما إذا كان يوفر أي مزايا إضافية.
الطرق:
تم إجراء قياس التروية الوعائية، باستخدام مقياس سرعة دوبلر بالليزر، والملاحظات الإجمالية للنسبة المئوية لسطح الجرح غير النخري، على الجروح الإقفارية في الحيوانات بعد العلاج، باستخدام كريم بيروكسيد الهيدروجين أو كريم وهمي.
النتائج:
أظهرت التقييمات البصرية للنسبة المئوية لسطح الجرح غير النخري، عدم وجود فروق ذات دلالة إحصائية بين المعالجات. في المقابل، أدت قياسات التروية الوعائية إلى فروق ذات دلالة إحصائية. كان تدفق الدم أعلى بشكل ملحوظ، حتى اليوم 15 في القرحات المعالجة بكريم بيروكسيد الهيدروجين بنسبة 2%، مقارنةً بتلك المعالجة بالكريم الوهمي. كان التروية الوعائية أعلى بكثير في القرحات، التي عولجت بكريم بيروكسيد الهيدروجين بنسبة 3.5%، مقارنة بالقرح التي عولجت إما بكريم بيروكسيد الهيدروجين بنسبة 1.5% أو بدواء وهمي. أظهرت مواقع التحكم المجاورة في الحيوانات التي عولجت قرحها بكريم بيروكسيد الهيدروجين، زيادة في التروية الوعائية مقارنة بالمواقع المقابلة في الحيوانات التي عولجت قرحها بدواء وهمي. حتى مواقع التحكم البعيدة في القرحة التي عولجت بكريم بيروكسيد الهيدروجين بنسبة 3.5% أظهرت زيادة في التروية الوعائية.
الاستنتاج:
علاج القرح الناجمة عن نقص التروية باستخدام كريم بيروكسيد الهيدروجين، يعزز تجنيد الدم الجلدي ليس فقط للقرح والمواقع المجاورة، ولكن أيضا إلى المواقع البعيدة.
خاصية إصلاح الأنسجة المتلفة
كل هذه الآليات تعمل على تنشيط عملية الشفاء بشكل إيجابي، وتجعل من العسل ضمادة رطبة نشطة بيولوجيًا ولا ينبغي تجاهل فعاليتها .
وقد ثبت أيضًا في الدراسات التجريبية (المرجع في الرابط) التي أجريت على الفئران، أن العسل قادر دون إعاقة الشفاء، على تقليل تكوين الالتصاقات داخل البطن. يسلط هذا العمل الضوء على الخصائص المناعية والمضادة للالتهابات، واهتمام هذا المنتج المعقد الذي، على الرغم من وجوده في كثير من الثقافات كعلاج شعبي لمختلف الأمراض، إلا أن العلم الحديث بدأ للتو في التحقق من فوائده الحقيقية وتوثيقها بدقة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن العسل، بكونه عنصرًا طبيعيًا يحتوي على مضادات أكسدة قوية، يعمل كمكمل صحي يساهم في تعزيز الجهاز المناعي، ويدعم العديد من وظائف الجسم. بالإضافة إلى ذلك، يحتوي العسل على مواد طبيعية ذات خواص مضادة للميكروبات، مما يجعله مفيدًا في معالجة الجروح والحروق وحتى بعض الأمراض الجلدية.
من المهم الإشارة إلى أن الآثار الوقائية والعلاجية للعسل، لا تقتصر فقط على الاستخدامات الخارجية، بل يشمل أيضًا استهلاكه. فقد وجدت دراسات أن تناول العسل يمكن أن يخفف من أعراض السعال ويساعد في تحسين جودة النوم، خصوصًا لدى الأطفال الصغار. ومع ذلك، يجب التأكيد على الحاجة إلى إجراء مزيد من التحقيقات علمية لفهم آليات عمل العسل بشكل أعمق وتحديد الجرعات المثلى والأشكال الأكثر فاعلية لاستخدامه.
ولا نستطيع إغفال ذكر التنوع الكبير في أنواع العسل، حيث يختلف تكوين كل نوع تبعًا لنوع الأزهار التي يتغذى عليها النحل، مما يؤدي إلى تنوع في الخصائص الطبية والفوائد الصحية. هذه التنوعات تفتح المجال للعديد من الابحاث المستقبلية، لاستكشاف فوائد أنواع العسل المختلفة وتحديد الاستخدامات الأمثل لكل نوع.
تم تطبيق العسل موضعياً على الجروح المفتوحة في 12 فأراً. كان هناك أيضا 12 فأرًا آخر بمثابة مجموعة مراقبة حيث تم تضميد جروحهم بمحلول ملحي فقط. تم الحكم على شفاء الجروح من النواحي:1- التشريحية المرضية عن طريق قياس سمك الأنسجة الحبيبية، 2- الظهارة من محيط الجرح، 3- حجم الجروح المفتوحة. وتم فحص جروحها تشريحياً. وفقا للمعايير الثلاثة المذكورة، فإن جروح الحيوانات المعالجة بالعسل تلتئم بشكل أسرع بكثير من جروح الحيوانات المراقبة (P <0.001). يبدو أن العسل يسرع من شفاء الجروح عند استخدامه موضعياً بسبب خصائصه المنتجة للطاقة، وتأثيره الاسترطابي على الجرح، وخصائصه المضادة للجراثيم. تشير نتائجنا إلى أن تطبيق العسل موضعياً على الجروح المفتوحة يسرع عملية الشفاء. المرجع في الرابط
الخلاصة
“تُظهر الدراسات بوضوح مشاركة عدة آليات في خصائص العسل المضادة للبكتيريا، حيث تتعاون بشكل متآزر، بما في ذلك الأسمولية، ودرجة الحموضة الحمضية، ونظام بيروكسيد الهيدروجين (إينهيبين)، ووجود العوامل الكيميائية النباتية، مثل ديفينسين -1 وميثيل جليوكسال. بالإضافة إلى ذلك، تثبت الدراسات العلمية أن للعسل أنشطة محددة تعزز المراحل المختلفة اللازمة للشفاء، حيث يمتلك تأثيرًا إيجابيًا على التنضير ويعمل على تعديل الالتهاب، مما يعزز بناء الأنسجة الحبيبية.
ويكمّل هذه السمات تأثير العسل المحفز لعملية التنضير، وهي عملية تشكيل الأنسجة الجديدة التي تساعد الجروح على الإغلاق. كما أن له دورًا في تعديل الاستجابة الالتهابية في الجسم، وهو ما يهدئ الالتهاب ويسرّع في عملية الشفاء. بهذه الطريقة، لا يقتصر دور العسل على كونه مضادًا حيويًا طبيعيًا فحسب، بل هو يدعم أيضًا العمليات الطبيعية لجسم الإنسان في إصلاح الأنسجة والتجدد.
إذا كان المقال قد نال إعجابك، شاركه الآن واسمح للإيجابية والمعرفة أن تنتشر وتطال الجميع! شاركنا برأيك